الاهالي - بتاريخ 18/05/2011 - قسم ثقافة وفنون - صفحة - بقلم مصطفي نبيل
رحل عن عالمنا عالم جليل.. د. أسعد نديم.. حقا.. كل حي كتبت عليه المنية، ولم يمت من له أثر. إن قصة حياته ملحمة نضالية مستمرة، استهواه الفن الشعبي والحرف اليدوية، يري فيها عبقرية الأمة وروحها، والفنون عنده ترتبط بالبيئة وتنوعها، ولم يعد مكان الفن القصور وحدها، بل امتد إلي مفردات الحياة يجملها، الزي، الأثاث، العمارة..! عشق فن الناس في بلده، الفن الذي يجعل الحياة أجمل والعيش أحلي، المتمثل في رسم لوحة أو نسج سجادة، أو صنع أثاث، آمن أنه لا توجد مهنة في معزل عن المجتمع، وقصة حياته ملحمة نضالية مستمرة. وبدأ حياته يساريا، مثل العديد من الرواد من أبناء جيله، ثم استوعبه التيار الوطني العام، وأصبح اليسار لديه هو المساهمة في نهضة البلاد وتصنيعها. ولم يغفل الجانب العام، وهو يؤسس المصنع الكبير الذي يصدر منتجاته إلي كل أنحاء العالم، والذي بدأ ورشة صغيرة في شارع سليمان جوهر. وكانت البداية «اسطوات» إلي جانب «صبية» يتعلمون الحرف، ولا يكتفي بتعليم الحرفة وحدها بل يمتد إلي محو الأمية والثقافة العامة. وقادته دراسة الحرف اليدوية إلي بعثة في إحدي الجامعات الأمريكية لدراسة الحفاظ وتنمية الحرف اليدوية، وعاد من بعثته ليدرس في أكاديمية الفنون في القاهرة. وصاحبته في مسيرته الطويلة زوجته د. نوال المسيري التي حصلت معه علي بعثة إلي الولايات المتحدة.. وشكل مع زوجته، فريق عمل، لهما ذات الاهتمامات، وساهمت نشأته ورهافة حسه، ويقظته ربطته بالتاريخ الحقيقي الذي يعكس تاريخ الفن الشعبي والحرف اليدوية. ومفتاح شخصية أسعد نديم ينبع من تيار الوطنية الصادقة، يبحث دائما عن وسائل عملية، وخطط وبرامج محددة لتحقيق أهداف البلاد ولعب دورا مهما في حياة كل أفراد عائلته، وساعد كل منهم في اكتشاف ذاته ومعرفة ميوله.. وكلما احتاج مشروع ثقافي أو اجتماعي أو خيري إلي التمويل والمساعدة، لا يتأخر أسعد نديم عن تقديمه.. وكان دوما نعم الصديق الراجح العقل، الذي يلجأ إليه كل صاحب مشكلة. ظل يحلم بنشر الصناعة في ربوع البلاد، ويري أنه لا يمكن أن تقوم صناعة حديثة، وحولك بعض ملامح التخلف، إنه حلم أهل المحروسة منذ عصر محمد علي، وهو إقامة صناعة حديثة، فقوة البلاد في اقتصارها. وربما تساءل آخر أيامه، هل كان محقا عندما عرف في تلاميذه وأبنائه الرغبة العميقة في نشر الصناعة الحديثة بدلا من الاستيراد، في عالم تغلب فيه الأنانية ويتضاءل فيه الاهتمام بالعمل العام! هذا هو أسعد نديم، الذي آمن طويلا بمستقبل الإنسان، وظل حتي آخر يوم في حياته جنديا مجهولا، ولم يتوقف لحظة عن العطاء.. وسيظل ملهما للكثيرين، فأمثاله لا يموتون، ولا ينقضي عملهم برحيلهم، بمصابيح الفن والفكر لا تطفئها الأيام، ومن يعرف سيرته يراه من الخالدين، فأعظم ما فيه ثباته علي مبدئه. http://www.al-ahaly.com/index.php?option=com_content&view=article&id=5749:2011-05-18-09-33-41&catid=78:2010-02-27-09-18-16&Itemid=669